ادعمنا

علم النفس السياسي - Political psychology

علم النفس السياسي، هو الحقل العلمي الذي يدرس الآليات، والنظم النفسية، لتحديد الوعي السياسي للأشخاص، والجماعات، والجماهير. ويعرفه مورتون دويتش - وهو دكتور في علم النفس بجامعة كولومبيا - بأنه: "دراسة تفاعل علم النفس، لاسيما أثر علم النفس على السياسة"

ويُعرف أيضاً أنه استخدام الأساليب والمفاهيم والنظريات المعمول بها في علم النفس في تحليل سلوك الجهات الفاعلة في العملية السياسية، وتفسير المواقف، والقرارات السياسية، باستخدام مصطلحات علم النفس".

علم السياسة كحقل أكاديمي يتعامل مع تأثير العوامل النفسية مثل الإدراك، والمواقف، والمعتقدات، والقيم، والدوافع الشخصية، والعمليات الديناميكية، وعضوية وخصائص الجماعة، والبناء التفصيلي، وطرق التأثير الاجتماعي في المعتقدات السياسية، ومواقف الافراد، والجماعات، وسلوكهم، وتأثير الثقافة السياسية، والنظم، والحركات، والأحزاب، والأيديولوجيات، وآليات التنشئة السياسية، والعلاقات بين الجماعات. وأيضا يهتم علم النفس بدراسة السلوك الجماعي، وتأثير الاتصالات السياسية، والتعليم المدني، والعدالة الاجتماعية.

وبالتالي يشتمل علم النفس السياسي على الجانبين النفسي والسياسي، وهو تطبيق المعرفة النفسية على الظاهرة السياسية.

 

الجذور التاريخية لعلم النفس السياسي

إلى وقت قريب كانت دراسة السياسة ترتبط بالأبنية والمنظمات السياسية، أكثر مما ترتبط بعلم النفس، وقوانين السلوك، على الرغم من تأثير النواحي النفسية بشكل كبير في سلوك القادة، والجماهير، وفي العلاقة بينهم، والعلاقة التعاونية والتنافسية بين الأحزاب، وبعضها البعض، وبينها وبين الجماهير التي تختارها.

الاهتمام بأثر الجانب النفسي في الظاهرة السياسية لم يكن جديداً، وإنما يعود إلى فترات تاريخية بعيدة، يمتد إلى الفلاسفة القدماء، الذين كانت لهم إسهامات كبيرة في علم النفس السياسي، لكنها كانت تندرج تحت الفلسفة الاجتماعية.

 كان يبدو أن ثمة محاذير كثيرة في الفترات التاريخية المتعاقبة، والتي كانت تحول دون اقتراب الكثير من الفلاسفة والعلماء من معترك السياسة وقوانينها.

فقد أشارت العديد من الدراسات بصورة مباشرة أو غير مباشرة الى موضوع السيكولوجية السياسية، عن حديثها عن السلطة، والقادة، وعلاقة الحاكم والمحكوم، وممارسة العنف، وغيرها من الظواهر التي لها بُعد سياسي، ولم تكن تلك الدراسات قد شكلت حقلاً معرفياً مستقلاً، يحمل اسم علم النفس السياسي، بقدر ما كانت عبارة عن شذرات فكرية موزعة بين ميادين معرفية مختلفة، من الفلسفة، والدراسات الدينية، والتربوية، والنفسية وغيرها من المعارف، ربما قد أخر هذا نمو علم النفس السياسي لفترات طويلة.

 نشأ "علم النفس السياسي" بوصفه علماً أكاديمياً وتطبيقياً في تقدير مورتون دويتش في الفترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، نتيجة لما ظهر خلالها من اضطرابات سياسية متلاحقة، وقيام نظم شمولية استعانت بوسائل الدعاية، وقيام نظم ديمقراطية بالرد عليها.

في يناير 1917، في ذروة الحرب العالمية الأولى، نشر جورج بيردو جروندي - وهو المؤرخ الإنجليزي المتخصص في التاريخ العسكري اليونان وروما القديمة -  مقترح بعنوان "علم النفس السياسي: علم لم يتم إنشاؤه بعد"، أشار في ذلك المقترح إلى الحرب العالمية، بصفتها حدثاً أبرز قسماً جديدا من العلوم التاريخية، ألا وهو علم النفس السياسي.

وأشار أيضاً إلى أن السلوك القومي يمكن فهمه على أنه نتاج موروث، من صفات، ومشاعر الطبيعة الإنسانية البشرية، التي شكلتها التربية الوطنية، والسياسات، والظروف.

كما أكد جروندي أن العديد من المشاكل الحديثة سببها تصور الحكومات نظريات علم النفس السياسي لسكانها، ومن ثم تعميمها إلى دول أخرى، وبالتالي انخراط الحكومات في تجارب لا تلائم ظروفها.

 

أهداف علم النفس السياسي

ظهر علم النفس السياسي تخصص في حقل علم النفس لتحقيق مجموعة من الأهداف.

1. تفسير الأحداث السياسية، عن طريق وضع فروض حول اهتمامات البشر وفق طريقة علمية واختبارها؛ أي اعتماد أسلوب البحث العلمي في دراسة السياسة.

2. فهم العلاقات المترابطة، بين الأفراد والمواقف التي تتأثر بالمعتقدات، والدوافع، والإدراك.

3. تشكيل سلوك الفرد، ومعالجة المعلومات، واستراتيجيات التعلم.

4. وضع قوانين عامة لسلوك الفرد، يمكن من خلالها تفسير سلوكه، والتنبؤ به في الاحداث السياسية.

5. فهم سلوكيات المجموعات، وطرق تفكيرها، وكيفية اتخاذ القرارات.

6. استخدام علم النفس في تطوير العملية السياسية، مما يفيد الانسانية عامة.

يتم علاج أهداف علم النفس السياسي عن طريق طرح عدة أسئلة.

1.كيف يشكل الأفراد آراءهم؟

2.ما الدور الذي تؤديه العواطف في تشكيل الآراء السياسية، وتعبئة الفعل السياسي؟

3.كيف يصنع القادة السياسيون قراراتهم؟

4.ما الدور الذي يؤديه الخطاب السياسي، والإعلامي في التأثير على مدركات الأفراد، وسلوكياتهم؟

5.كيف تؤثر الأحداث الاجتماعية الكبيرة في مواقف الأفراد السياسية؟

6.تحت أي ظرف يرتبط الناس بالحركات الاجتماعية؟

7.ما الدور الذي يلعبه انتماء الأفراد الى الجماعات الاجتماعية؟

8.لماذا يدعم الناس في بعض الاحيان الحرب، أو الإرهاب، أو العنف؟

9.لماذا يتجه الناس إلى العنف السياسي، والإبادة الجماعية، وما الظروف التي تدفعهم نحو ذلك؟

10.كيف يمكننا تقليل العنف، وعدم العدالة الاجتماعية في المجتمع، وكيف يمكن لنا بناء السلام؟

 

موضوعات علم النفس السياسي

يمكن تقسيم الموضوعات التي يتناولها علم النفس السياسي إلى أربعة أنواع:

النوع الأول: يهتم بدراسة الفرد وسلوكه السياسي: من خلال دراسة الشخصية، وكيفية اكتساب الفرد للمعلومات، والهوية، والاتجاهات، والقيم، والسمات، وغيرها من الأمور الداخلية التي تؤثر في سلوك الفرد السياسي.

النوع الثاني: يهتم بدراسة المجموعات، من خلال دراسة الأنماط الجماعية، والعرقيات، والتمييز العنصري، وكيفية اتخاذ المجموع للقرار السياسي، الى غير ذلك من الأمور التي يكون لها أثر في العملية السياسية.

النوع الثالث: يهتم بدراسة الشخصيات القيادية، وهو نوع أكثر تخصصاً من النوع الأول، ويهتم بدراسة النخب المؤثرة في صنع القرار السياسي بصورة دقيقة؛ حتى يمكن التنبؤ بطبيعة القرارات التي يمكن أن يتخذها قائد ما، إذا ما واجه موقفاً أو حدثاً معيناً.

النوع الرابع: يهتم بدراسة العنف السياسي: ولاسيما الإرهاب، وهو فرع حديث نسبياً، قدمت من خلاله العديد من الدراسات، لاسيما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ويشمل كذلك الابادة الجماعية، والتطهير العرقي، الى غير ذلك من الموضوعات التي تسلط الضوء على دوافع العنف السياسي.

 

علم النفس السياسي وعلاقته بالعلوم الأخرى

يمتلك علم النفس السياسي علاقة واسعة مع العديد من العلوم النفسية، والاجتماعية، والطبية، وغيرها، فعند دراسته للظاهرة السيكو سياسية، فعلم النفس الاجتماعي تم الاعتماد عليه من قبل علم النفس السياسي في دراسة طبيعة وأسس المواقف السياسية والسلوك السياسي. هذا المنهج انتج لنا اهتماماً بمواضيع العاطفة وطبيعة التنشئة، وتأثير المجموعات، فضلاً عن علم النفس الاجتماعي، هناك فروع أخرى من علم النفس كان لها دوراً كبيراً في تطوير علم النفس السياسي، في الجانب النظري، والعملي، وبالأخص منها علم نفس الأعصاب، وعلم الأعصاب المعرفي،  وعلم الأنثروبولوجيا، وعلم الأحياء، وعلوم السلوك التي فتحت منهجاً جديداً في دراسة السلوك الإنساني، هذه العلوم ومناهجها أسهمت في تقديم تفاسير عديدة للمواقف السياسية، وتوفير خارطة مهمة للاتجاهات المستقبلية في علم النفس السياسي، وبذلك تطور علم النفس السياسي كثيراً في اعتماده على الحقول الفرعية لدراسة علم الظاهرة السيكو سياسية، وفي نفس الإطار انتفع علم النفس السياسي من التطور التكنولوجي والتقدم في طرق البحث، حيث نجد أن المناهج الحديثة المتبعة في دراسة السلوك الإنساني اعتمدت في دراستها للظاهرة السياسية على حقول متعددة، ففي مجال علم السياسة تم استخدام علم أحياء الأعصاب، وطرق علم النفس لتفسير السمات السياسية. وكذلك نجد بأن مواضيع مثل التمييز، والتعاون، والاعتداء، وطبيعة التمثيل، وأسس الايدولوجية السياسية تم تفسيرها منذ عقود بالاعتماد على علماء الاعصاب، وعلماء النفس، وعلماء جينوم السلوكي، ونجد هذا الاهتمام تطور إلى الاهتمام بفهم أصل التفضيلات السياسية.

 

 

المصادر والمراجع:

إيناس صبري عبدالمنعم،مقال بحثي بعنوان "علم النفس السياسي وسيكولوجية القادة والجماهير  المركز الديمقراطي العربي،  نشر بتاريخ (13/6/2017).

د. باسم علي خريسان، علم النفس السياسي: دراسة في المفهوم والنشأة التاريخية، مجلة دراسات دولية، العدد السابع والستين، 2016.

د. محمد المهدي، علم النفس السياسي: رؤية مصرية عربية، مكتبة الأنجلو المصرية، الطبعة الأولى 2007، مصر.

Floyd W. Rudmin, G. B. Grundy’s 1917 proposal for political psychology: “A science which has yet to be created”, Published in ISPP News, 2005.

إقرأ أيضاً

شارك أصدقائك المقال

ابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ

ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.

اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.


كافة حقوق النشر محفوظة لدى الموسوعة السياسية. 2024 .Copyright © Political Encyclopedia